قبل ثلاثة سنوات أتت مجموعة من شباب المراقبة الجوية فى السودان . والمجموعة الأولى كانت مكونة من تسعة من الرجال وثلاثة من الفتيات . ثم تبعتهم مجموعة أخرى من اثنا عشر شخصا . وأذكر أننى قابلت الأخ محمد الحسن مدير الطيران المدنى عندما حضر لتوقيع أتفاق من السويديين قبل حضورهم بمدة . وعندما سمعنا بحضور المجموعة الأولى ، هرعنا اليهم فى مسكنهم . وكالعادة يأتى مجدى الجزولى بأخبار طالبى اللجوء الجدد أو أى سودانى جديد . فنهرع اليهم لأنو هذا أقل من يمكن أن نعملو . وهذا حق المواطنة وحقهم علينا . ولا جميلة أى زول .
ودعاهم مجدى لحفلة شاى . وأذكر أننى قلت لهم ( حنجى ناخدكم ، وحنطر نرجع مرتين. ما فى لزوم أقول ليكم تكونى جاهزين. انتو ناس بتنزلوا الطيارات بالثانية . تنتظرونا بره جاهزين . ) وبالرغم من أنو معاهم اتنين من مدرسينهم ، تأخروا كعادة السودانيين . وفى نهاية الحفل قلت لهم ( تجوا تقيّلوا معانا يوم الأحد . لكن يا جماعة ما فى تأخير المرة دى. الساعة واحدى تكونا جاهزين واقفين برا السكن . )
وتصادف فى ذلك اليوم أن زوجتى كانت ستسافر لزيارة شقيقتها بسبب اتفاق قديم ، وكانت ستأخذ معها والدتها . فقلت يا شوقى انت أماتك كان بوضبوا الخروف بليلو للضيوف . وجهزت كل شيىء بنفسى . الكبدة النية بالدكوة ، وشطة خضرة وشطة حمرة ، وشية صاج وشية جمر . وطربزتين وست . وغلاط وخرخرة وكنت أحس بالدموع فى عينيى . وكان من أسعد أيام حياتى . بالرغم من أننى ذهبت فى الساعة الواحدة والجماعة كانوا (فى اللسه بطمطا والما لبس بالرغم من كلامى وتشديدى) .
هنالك شيىء آخر ، فى موقف مثل هذا ، لأن زوجتى لم تكن موجودة ، لم يساعدنى سوى صديقى فريد العراقى ، فالمتوقع أن بعض هؤلاء الشباب أن يشارك ، أن يقدم ، أن يساعد . ولكن السودانيين عادة على عكس الأوروبيين لا يتحركون . ولا يشاركون . هذا الشباب الجميل الذى أتى لزيارتى كان يعتبر من زبدة المجتمع السودانى ، ولكن الحلو ما يكمل.
لاحظت أن هذه المجموعة يشترون للميز من دكاكين صغيرة غالية . وعددهم قد صار أربعة وعشرين . فأقترحت أخذهم الى متاجر تبيع بالجملة حيث يقل السعر أربعين فى المائة . وعندما رجعت بالسيارة الكبيرة ، وكان يساعدنى شخص واحد ، كنت أحمل جوالات الأرز والطحين والسكر بالجوز على أكتافى . وبعض هؤلاء الشباب فى عمر أبنائى، لم يكن يتحركون . وكأنما الأمر لا يهمهم .
أقترحت عليهم أن آخذهم الى أحد الأسواق المفتوحة حيث يمكن شراء الجوالات بثلثى الثمن الذى دفعه بعضهم . كما يمكنهم شراء الجاكيتات وأشياء أخرى بأسعار رخيصة . ولأن لى سيارة تحمل سبعة أشخاص ، فلقد اقترحت أن ينتظرنى ستة منهم . وسبب لى هذا مشكلة لأنو من المفروض ألا أترك ابنتى تذهب الى تمرين كرة السلة بالدراجة بعد الظلام وهى فى الثالثة عشر . وعندما حضرت كان هنالك شخص واحد فى انتظارى . وعندما أحس بغضبى وثورتى قال لى ( يا خى فى ناس نايمة وناس مشغولة وأنا ما مسئول من التانيين . ) فأخذته الى السوق المفتوح وحاولت أن أنسى الموضوع . وحددنا مواعيد أخرى . وفى المرة الثانية لم يحضر انسان . فتوقفت من فرض نفسى عليهم . آخذا بنصيحة الأخ حسين ود الحاوى ( ما تعمل أى حاجة الا الناس تطلب منك . والزول كان ما عرفتو منو ، أهلوا منو بيعمل ليك مشاكل . وليه تتعب نفسك ؟) . وفجاة يتصل بى أحد المبعوثين ونحدد مواعيدا ونتقابل . ويطلب منى أن أتوسط له عند السويديين لأنه لم ينحج فى الامتحان وسعيدونه الى السودان . وأفهمته بأن فى السويد لا توجد وساطات . وحتى اذا وجدت فأنا لا أمتلك العضلات أو الأهمية . ويقترح أن أساعده فى تدبير اقامة . أو لجوء أو أى شيىء والرجل حسب كلامه متزوج وله أطفال كبار .
وشرحت للأخ أن موضوع اللجوء معقد وطويل ، وأن الاقامة لا يمكن أن تمنح الا بسبب لجوء أو زواج ، أو لأمر خاص كلاعب كرة قدم أو مغنى أو خبير فى منظمة . ونحن فى سيرنا تتصل بى ابنتى نظيفة التى كانت قد حضرت من ميامى – فلوريدا ، حيث تدرس فى المدرسة الثانوية ، للأحتفال بعيد ميلادها الثامن عشر مع والدتها وجدتها . فهى محور حياتهم . وكانوا يعتقدون أن الدراسة السويدية ، بالرغم من أنها جيدة ومجانية ، لن تشبع رغبتها فى التعرف بالعالم . والمدرسة الخاصة فى فلوريدا تشمل نشاطات مختلفة فى التأقلم على الحياة البرية والفروسية والرياضة ، كرياضة الدفاع عن النفس وغيرها . وعرجت على بنتى وقابلتها والرجل معى وحددنا مواعيدا لكى نتقابل قبل رجوعها الى فلوريدا .
وبعد أيام اتصل بى نفس الشخص من منزل مجدى الجزولى وطلب حضورى السريع . وتركت كل شيىء وهرعت اليه . ووجدته مع مجدى الجزولى وزوجته الأخت التومة . وبدون اضاعة أى وقت أقترح على أن أحل مشكلة اقامته بأن أزوجه ابنتى نظيفة لأنها أكملت التمنتاشر سنة . والغريبة أننى لم أغضب ، بل كان هو الغاضب . وعندما قلت له أن ابنتى سترجع لاكمال دراستها فى فلوريدا وأنا لن أحلم فى أن أفرض عليها زواج أى انسان . وان لابنتى أحلامها وطموحاتها . ولا أظن أن والدتها أو جدتها سيوافقون . وكان رده ( ما انت أبوها ، ديل دخلهم شنو ؟ . أنا حأعرسها ليك سنة وأفكها . بعد ما آخد اقامتى تعمل العاوزاهو . وانت لا قينى وين ؟ . انت قايل أنا زول ساهل؟ . )
بعد المصائب لا تغضب لأن الانسان يكون قد دخل فى مرحلة المحنة . ولم أقل له أن والدة ابنتى التى تتمتع بجمال ملفت حتى فى السويد ، وجدتها التى كانت تدير شركة للتصاميم وتبالغ فى أناقتها مثل ابنتها ، يتوقعون الكثير لنظيفة . وهذا الصيف عادت من البرازيل بعد أن قضت سنة كاملة فى دراسة رياضة الدفاع البرازيلية والعيش فى البرية . وأنه رجل متزوج فوق الأربعين وله أطفال .
وعندما أخذته الى مسكنه رجعت الى مجدى االذى سألنى مباشرة ( آ ها ، الراجل دقيتو ؟ أنا قلت للتومة شوقى ساقو يدقو) فقلت له ( يا خى الراجل مسكين ما بستاهل الدق .) والغريب أن الرجل أتى لمجدى فى الأول قائلا أنه قد قابل طليقة مجدى السودانية . وعرف أنها تحمل جواز سفر سويدى . فطلب من مجدى أن يزوجها له . فقال له مجدى ( هو وقت أنا طليقتى دى مالى فيها ايدى قدر ده ، مطلقها ليه ؟ ) فقلت ( انت ما دقيتو ليه ؟ ) فقالت الأخت التومة دا زول يمحن . ورد الفعل كان أن قلت لنفسى ( انتى يا شوقى مالك ومال الحمار البرمى سيدو؟ ) الى أن اتصل بى الشخص الوحيد الذى حضر للذهاب الى السوق المفتوح الذى أعتبرته أكثر معقولية من الآخرين . ويبدو أنه كان يفتكر أنه يتكلم مع خدام بدفتر ، أو صبى نجاروهو الأسطى . وهذا قبل يومين من عيد الفطر . ( بكره عاوزنك تجينا عشان تودينا للجزار اللى اشتريت منو الخروف عشان تجهز لينا اللحمة بالطريقة العملتها لينا . وتجهز نفسك عشان يوم العيد تكون معانا كل اليوم ، وتجيب لينا المنقد بتاعك معاك والفحم والحاجات ) وكانت يتكلم عن ( القريل) الذى يمشى على عجلات ويحتاج لشاحنة لنقله .وأنا ما مفروض يكون عندى أى شغلة ولا ضيوف أجونى ، ولا عندى أولاد ، ده كلو ما مهم ، سيادته عاوز شية . ) وأكتفيت بعدم الرد وأخذت معطفى وذهبت .
بعد العيد اتصل بى أربعة من المبعوثين وقالوا لى أنهم يحسون بأننى قد توقفت عن زيارتهم وسيأتون لزيارتى . وأنهم لا يريدون أن يكلفونى مشقة احضارهم وأنهم يعرفون الطريق وسيأتون . وبعد ساعتين اتصلوا بى وقالوا لى أنهم قد ضاعوا . وسألتهم من تحديد المكان وكان ردهم ( نحن جنب يافطة مكتوب عليها (مالمو آفييشن) ، وهذه شركة طيران أعرفها جيدا ، لأن والدة نظيفة تعمل فى ادارتها ، ولهذا زارت نظيفة ووالدا تها العالم ، من أستراليا الى نيو زيلندة الى أمريكا اللأتينية ، أفريقيا وجزر الكاريبى والصين واليابان ، وهذه هى نظيفة التى يريد الأخ أن يتزوجها ويفكها . ولكن اليافطة كانت اعلان للشركة . وطلبت منهم اعطائى اسم الشارع ، وبعد عدة تلفونات وتعب حددت مكانهم ، وكانوا فى الاتجاه الآخر من المنزل. وأحسست بروعتهم ودفىء العلاقة السودانية وتألمهم الحقيقى لانقطاعى عنهم . فالسودانيون شعب عظيم لا يماثلنا أى شعب فى الحميمية وسهولة وعمق التواصل . وسنهرع ونركض عندما نسمع بأى سودانى فى أى مكان . المشكلة بس نحن شعب بتاع محن . نأتى بتصرفات غير معقولة . وكنت ، ولا أزال أقول للآخرين انتم لستم مثلنا . نحن نعرف كل سودانى بالرغم من أن السودان قارة ، ونعرف أخبار كل السودانيين وأبنائهم ، وليس هنالك سودانى من أى جزء من السودان لا نعرفه ، أو نعرف شخص يعرفه ، أو نعرف أهله وقبليته . بس الله يكفينا شر المحن . ونواصــــل .
shawgibadri@hotmail.com
السبت 23 مايو - 19:55 من طرف هالة الشيخ
» انفلونزا الخنازير Swine Flu
السبت 2 مايو - 22:02 من طرف قوس قزح
» الأستاذ علي اسماعيل العتباني يكتب عن الفوضي الخلاقة في السودان
الجمعة 23 مايو - 8:04 من طرف قوس قزح
» سلفاكير: اتفاق على سحب الجيش وقوات الحركة في أبيي
الجمعة 23 مايو - 7:44 من طرف قوس قزح
» المسؤول الامريكى الرفيع السابق : نعم انا مستشار لحكومة حنوب السودان وليس من الآن
الخميس 22 مايو - 13:54 من طرف قوس قزح
» خبر عاجل: القبض على المتمرد الهارب عبدالعزيز نور عشر أحد القادة الميدانيين للعدل والمساواة
الخميس 22 مايو - 13:41 من طرف قوس قزح
» الدنيا حلوة يا ناس ... حنان بلوبلو .. رد على الشريف مبسوط مني
الخميس 22 مايو - 11:01 من طرف رحيق مختوم
» فصيلة دمك تحدد غذاؤك .. بحث طبي (مفيد للريجيم)
الخميس 22 مايو - 10:58 من طرف رحيق مختوم
» الصومال كارثة مطمورة وأجندة خفية .. في إطار الكشف عن زيف الإعلام
الخميس 22 مايو - 9:36 من طرف قوس قزح
» اتحادات وتنظيمات المسرية نيران براكين الغضب في وجه إدوارد لينو
الخميس 22 مايو - 6:08 من طرف قوس قزح