الأستاذ البوني يكتب عن أحداث أمدرمان

كعة ام درمان

الاستاذ محمد حسنين هيكل قال ان الريئس جمال عبد الناصر قد استدعاه على عجل وطلب منه ان(ينجر)له مصطلحا مناسبا لكي يتداوله الناس عن حرب ستة يونيو التي هزمت فيها اسرائيل ثلاثة جيوش عربية واستولت على سيناء والجولان والضفة الغربية. فكلمة العدوان الاسرائيلي تصور العرب بانهم ابرياء وضعفاء بعد ان كانوا طويلي اللسان يهددون اسرائيل بالرمي في البحر. واما اذا قيل هزيمة يونيو فهذة تسمية محبطة كان عبد الناصر يريد مصطلحا يعترف بالهزيمة ولكن يخفف من اثرها ويصور الامر بأنه معركة في حرب طويلة. قال هيكل امضيت الليل كله في التفكير والتأمل والتدبر والكتابة والشطب وفجأة قفزت الى ذهنه كلمة النكسة فاتصل بعبد الناصر وهو يصيح وجدتها وجدتها وعندما اخبره بالاسم الجديد قال له عبد الناصر برافو يا محمد.
الرمية اعلاه توضح اهمية المصطلح المتداول فالامر عندما يختلط بالسياسة لايصبح لغة مجردة انما يحمل في طياته معاني ودلالات كبيرة، وان جينا للحق في كل الامور اللغة ليست مجردة وهذة قصة اخرى والمناسبة هي اننا هذه الايام ومنذ يوم السبت العاشر من هذا الشهر نبحث عن مصطلح متفق عليه لوصف تلك الاحداث، وحتما وبمرور الزمن سوف يبرز هذا المصطلح ومن الاجتهادات الحالية، فمصطلحات مثل المؤامرة التخريبية او العدوان الغاشم لن تصمد طويلا لان المؤامرات التخريبية والعدوان الخارجي او الغاشم ليست جديدة ولن تتوقف. وصف ماحدث بأنه معركة والقول معركة ام درمان ليس مناسبا لان ما حدث ليس مثل معركة كرري في القرن قبل السابق، وان كان المسرح واحدا وهو ام درمان. اما الحركة بأنها حركة مرتزقة لن تنجح كمصطلح لان المرتزقة اصبحت حكرا على حركة محمد نور سعد (1976) اما مصطلح مثل احداث السبت الاسود فهذه قد سبقتها عليها احداث الاثنين الاسود التي اعقبت مقتل قرنق وكانت قبلها احداث الاحد الاسود في العام 1964 التي اعقبت شائعة مقتل وزير الداخلية آنذاك كلمنت امبورو فيبدو ان صفة الاسود اصبحت مرادفة للاحداث التي يكون الجنوب طرفا فيها وربنا يستر على بقية ايام الاسبوع. مصطلح مثل المحاولة الارهابية او انتحارية لاتصلح لوصف احداث السبت غير الاخضر لابتزال كلمة ارهاب دوليا كما ان صفة انتحارية لاتنطبق عليها.
غرابة تلك الاحداث وان كان كلمة غريبة لها مكاناً من الاعراب في بلد حبلى بالمفاجآت تجعلنا نبحث لها عن مصطلح غريب. فيما يليني فقد وجدت كلمة (كعة) مناسبة جدا وبعد الرجوع لقاموس استاذنا عون الشريف قاسم وجدت (كعة) معناها الفتنة والجلبة وهي من الصوت( كع) فبالفعل كانت فتنة واحدثت جلبة وضوضاء كبيرة واشياء كثيرة انكسرت (كع) اي بصوت داوٍ مصطلح كعة ام درمان الذي نجرناه اليوم لاغراض هذا العمود فقط وليوم واحد فكل المقصود هو الاشارة الى خطورة اللغة وعدم استسهالها واطلاقها على حل شعرها، طيب معليش على عواهنها والمطلوب من الجميع استعمال الكلمات المناسبة بقدر الامكان الى ان يظهر المصطلح المناسب ومن المؤكد انه لن يكون مصطلحا رسميا بل نابعا من عبقرية هذا الشعب الذي يعرف المصطلحات التي تحفظ له (أمنه اللغوي).


عموده الراتب بصحيفة الراي العام : حاطب ليل